لذلك كانت الوسائل التي يملكها الإنسان لإشباع حاجاته محدودة دائماً، بمعني أن الإنسان يعيش في عالم ندرة. فالموارد التي يتصرف فيها إما أن تكون غير كافية لإشباع كل حاجاته في وقت معين، وإما أن تكون موزعة توزيعاً مكانياً سيئاً حيث تتوافر في أماكن معينة وتشح في أماكن أخرى. وحتى لو كانت الموارد التي يتمتع بها الإنسان وفيرة للغاية فإن الإنسان يظل محصوراً بعامل الوقت، وهو أكثر نعم الله على الإنسان ندرة.
والمال الاقتصادي هو عبارة عن كل شيئ نافع متاح للاستعمال، والمنفعة هي القدرة على إشباع حاجة من الحاجات أو رغبة من الرغبات الإنسانية. فلكي يعتبر الشيء أو المال اقتصادي ، يجب أن تتوافر فيه الخصائصالتالية :-
1-وجود حاجة محسوسة لدى الفرد ووجود علاقة بين الحاجة والشيء يعتبره الفرد قادراً على إشباع الحاجة.
2-يجب أن تتوافر في الشيئ النفعية أي قابليته لإشباع حاجة أو رغبة بطريق مباشر أو غير مباشر . والمنفعة ليست صفة مطلقة بل هي صفة نسبية تتوقف على ظروف الحال.
3-الندرة وهى الخصيصة التي تميز بين الأموال الحرة والمتوافرة بكميات غير محدودة بالنسبة لإشباع الحاجات الإنسانية، والأموال الاقتصادية المتاحة لدى الجماعة بكميات محدودة. والأموال الاقتصادية، وليست الأموال الحرة، هي التي تكون محلاً لاهتمامات الفكر الاقتصادي وعلم الاقتصاد. فلا معني لعمليات الإنتاج والمبادلة إلا بالنسبة للسلع والوسائل الندرة. فالمحيط الخارجي حين يمد الإنسان بأشياء وفيرة تشبع كل حاجة إليها فإن هذه الأشياء تعتبر أشياء حرة لا تدخل في نطاق المبادلات حتى لا يتحمل من يستخدمها أي تضحية لإشباع آخر. فالهواء سلعة حرة وليس سلعة اقتصادية، له قيمة استعمالية ولكنه لا يدخل في نطاق التبادل، بمعني أنه لا يتمتع بقيمة تبادلية. وترجع ندرة الأشياء إلى أسباب طبيعية كندرة المعادن النفيسة، أو إلى أسباب إدارية كوضع قيود على صيد الحيوانات أو صيد الأسماك، أو إلى عوامل دينية كقدسية الأبقار في الهند.
ولما كان من الصعب على الإنسان أن يحصل على كل شيئ يحتاجه مرة واحدة، وعمل كل شيئ نافع له في وقت واحد كان عليه أن يختار. فللوصول إلى هدف معين فإن عليه أن يضحي بغاية أخرى حيث لا تكفي الوسائل المتاحة له لتحقيق كل أهدافه. وكل اختيار يتضمن في نفس الوقت تضحية أو تكلفة الفرصة. فعندما تشترى قميصاً فإنك تتنازل عن الإشباع الذي كان من الممكن أن يحققه لك شراء سلعة أخرى بالمورد الذي اشتريت به القميص. وتكلفة الفرصة بتعبير مادي هي التضحية التي يتحملها الشخص حين يختار بين عدد من الأفعال الممكنة. فعندما يقوم الشخص بنشاط معين. (إنتاج سلعة معينة مثلاً) فإن التكلفة التي يتحملها تتمثل في الفرص التي لم يحصلها (قيمة السلعة والخدمات التي لم يتمكن من إنتاجها) لأن الموارد المستخدمة لم تعد متاحة لاستخدام آخر.
فندرة الوسائل، والاختيار بين الغايات، والتكلفة هي الأفكار الرئيسية التي تسمح بفهم جوهر النشاط الاقتصادي، حيث أن حياتنا الاقتصادية تتكون من مجموعة من القرارات المتشابهة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوسائل والحاجات. وانطلاقاً من هذه الوجهة من وجهات النظر نستخدم دخلنا، وندير صفقاتنا، وننظم إنتاجا، وتوزيع وقتنا بين العمل والفراغ بين اليقظة والنوم.
فمقاومة الندرة هي جوهر النشاط الاقتصادي سواء تعلق الأمر بشخص معين يعيش منعزلاً في الصحراء أو كان يتعلق بشخص يعيش في جماعة يتخصص كل عضو من أعضائها في عمل معين ويركز جهوده في نشاط واحد لمصلحة الآخرين بحيث توزع الموارد الإجمالية على الجميع عن طريق التبادل.
وتتم مقاومة الندرة بالعمليات الإنتاجية. فالأفراد حين يشعرون بالحاجات يبحثون عن تحسين ظروف معيشتهم بممارسة عمليات إنتاجية ومبادلات موضوعها سلع وخدمات تخصص في النهاية للاستهلاك.