العرب 24 مدير
عدد المساهمات : 856 تاريخ التسجيل : 16/01/2012
| موضوع: ترجمة الأستاذ الدكتور محمد شوقي الفنجري رحمه الله الجمعة مايو 06, 2016 9:01 pm | |
|
ترجمة الأستاذ الدكتور محمد شوقي الفنجري
رحمه الله
مَوْلِدُهُ وَنَشْأَتُهُ:
وُلِدَ الرَّاحل الكريم فضيلة المُستشار الدُّكتور: مُحَمَّد شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في الثَّاني عشر من سبتمبر عام 1926 م بمنيا القمح، - وهي بلدُ أُمِّهِ - محافظة الشَّرقيَّة، ونشأ، وتربَّى ببنها بَلَدِ وَالِدِهِ، وله خمسة إخوة: ثلاثة من البنين، واثنتان من البنات.
كان والده الأستاذ شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ من الرَّعيل الأوَّل مِنْ خرِّيجي مدرسة التِّجارة العليا، وعمل مع طلعت باشا حرب [1].
عمل مديرًا لمحلج بنها، كما عمل مديرًا للبنك العقاريِّ.
أمَّا والدته: فكان لها فضل كبير عليه، وكان الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ يُثْنِي عليها كثيرًا في لقاءاته وحواراته [2]، حيث كانت تشجِّعه على النَّجاح والتَّفوُّق، بل إنَّها كانت تعِدُهُ مبلغًا ماليًّا عند حفظه لآيةٍ من القرآن الكريم، فكان يتسابق مع إخوته لحفظ القرآن، وكان حريصًا على التَّفوُّق من أجل إرضائها، حيث يقول: "كنت أحرص على التَّفوُّق؛ لأنَّ هذا ممَّا يسرُّ والدتي".
وقد حصل على المركز التَّاسع على مستوى الجمهوريَّة من مدرسة الخديوي إسماعيل بالقاهرة.
ثُمَّ التحق بكلِّيَّة الحقوق، وسبب التحاقه بها [3] هو تأثُّره الشَّديد بحركة مُصْطَفَى بَاشَا كَامِل، وسَعْد بَاشَا زَغْلُول الوطنيَّة، وكفاحهما ضدَّ المستعمر، ومحاولة منه لخدمة بلده من خلال هذا الطَّريق.
الشَّهِيدُ الحَيُّ:
وفي التَّاسع من فبراير عام 1946 م، وكان وقتها في الفرقة الثَّالثة من المرحلة الجامعيَّة، وبعد انتهاء الحرب العالميَّة الثَّانية، وحصول معظم البلاد العربيَّة على استقلالها مثل سوريا والعراق، وكان من المفترض حصول مصر على استقلالها، وكانت انجلترا قد ادَّعت أمام الرَّأي العام العالميِّ رضا المصريِّين عن بقائها في مصر بموجب اتِّفاقيَّة سنة 1936م [4]، وأنَّ المصريِّين أنفسهم راضين عن هذا الوضع.
وكان ادِّعاءًا باطلًا، فكان ولا بدَّ أن تتحرَّك الجامعة -جامعة القاهرة-، وكان عدد الطُّلَّاب حوالي خمسة آلاف طالبٍ خرجوا جميعًا، وطالبوا بسقوط الاستعمار، وجلاء الإنجليز، وخرج الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ في هذه المظاهرات - على الرغم من عدم اقتناعه بالمظاهرات - [5]، حتَّى وصلوا إلى كوبري عباس، وكان هناك تربُّص من الإنجليز تجاه الطَّلبة؛ لصدِّهم عن مثل هذه التَّظاهرات.
يومئذ أصدر (فتز باتريك باشا) حكمدار الجيزة أمره لمأمور الجيزة أن يترك المظاهرات دون تعرُّض لها حتَّى يتوسَّط الطُّلَّاب كوبري عباس، وعندئذ يحول بينهم و بين العودة، في الوقت ذاته كان (رسل باشا) حكمدار القاهرة قد أصدر أمره لمأمور قسم مصر القديمة؛ كي يسارع بقوَّاته، ويفتح الكوبري، وهكذا وجد الطُّلَّاب المتكدِّسون فوق كوبري عباس أنفسَهم في حصار وَبِيلٍ، وليس أمامهم من خيار سوى الموت غرقا.!!
لكنَّ نفرًا من طلبة هندسة القاهرة استطاعوا إغلاق الكوبرى، فهاجمت الطَّلبة من أمامهم شرطة بلوك النِّظام، فهرول الطُّلَّاب إلى مؤخِّرة الكوبري من جهة الجيزة، فوجدوا البوليس الَّذي وراءهم قد ترك في الكوبري فتحة صغيرة تتسع لمرور شخص واحد لا غير.
وعندما يبلغها طالب يوسعونه ضربًا قاسيًا مميتًا.
وكان الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ صَاحِبَ أَقْسَى ضربة، وأخطر إصابة، إذ أُصِيب بكسر فى الجمجمة بحجم العصا -خمسة في ثمانية سنتيمتر-، كما أُصِيب بشلل نصفيٍّ في جانبه الأيمن، وعندما حُمِلَ إلى المستشفى مع مَنْ حملوه أُدْخِلَ غرفةَ التَّشريح؛ ظنًّا من الأطبَّاء أنَّه سيلفظ أنفاسه الأخيرة بعد دقائق، وسرت إشاعة موته بين الطُّلَّاب، بل نشر في الصُّحف خبر وفاته [6].
غير أنَّ إرادة الله تَعَالَى شاءت أنَّ يستمرَّ على قيد الحياة، وأُطْلِقَ عليه لقب الشَّهيد الحيِّ.
وظلَّ في مستشفى القصر العيني لمدَّة سنتين، أدَّى في السَّنة الثَّانية منها الامتحان، وتخرَّج سنة 1948 م.
وكان لهذه الضَّربة آثارٌ صحِّيَّة، حيث مزَّقت الأغشية المخِّيَّة المسيطرة على القدم، وكان يُعاني من التَّشنُّج العصبيِّ لذا؛ أَجْرَى عمليةً جراحيَّةً لترقيع المخِّ في انجلترا سنة 1950 م.
خرج منها معافًى بفضل الله تَعَالَى، ومارس حياته العمليَّة، والعلميَّة، والفكريَّة بكلِّ همَّة ونشاط كما سنرى من خلال استعراضنا لمراحل حياته المختلفة، ووظائفه، ونشاطه الفكريِّ.
مَرَاحِلُ تَعْلِيمِهِ وَمَنَاصِبُهُ:
كان الرَّاحل الكريم من المتفوِّقين في دراسته منذ صغره، فكان يحفظ القرآن في الكُتَّاب ببنها، ثُمَّ التحق بمدرسة الخديوي إسماعيل بالقاهرة، وحصل على التَّوجيهيَّة، وكان التَّاسع على الجمهوريَّة.
وفي عام 1944م التحق بكلِّيَّة الحقوق جامعة القاهرة، وتخرج سنة1948م.
بتقدير جيِّد، وكان وقتها نزيلًا لمستشفى القصر العيني.
وفي عام 1951م حصل على دبلوم الدِّراسات العليا في الاقتصاد السِّياسيِّ، من كلِّيَّة الحقوق جامعة القاهرة.
ثُمَّ حصل منها على دبلوم الدِّراسات العليا في الشَّريعة الإسلاميَّة سنة 1952 م، وفي عام 1963م سافر إلى فرنسا، وحصل على دبلوم الدِّراسات العليا في العلوم السِّياسيَّة سنة 1963م.
وحصل على دكتوراه الدَّولة سنة 1966م في موضوع (مشكلة تخلُّف العالم الإسلاميِّ).
وقد أحدثت رسالته صدًى واسعًا على المستوى الأوروبي.
حتَّى إنَّ المستشرق الفرنسيَّ Charles Raymond في كتابه DroitIslamique أي القانون الإسلاميِّ قال: إنَّ رسالة الدُّكتور الفَنْجَرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ قد صحَّحت لديه الكثير من المفاهيم الخاطئة عن الإسلام [7].
أَمَّا عَنِ المَنَاصِبِ الَّتي تَقَلَّدَهَا:
فقد التحق بعد تخرُّجه من كلِّيَّة الحقوق، وعودته من رحلة العلاج الطَّويلة في انجلترا -سبع سنوات- إِثْرَ إصابته في حادث كوبري عبَّاس التحق للعمل في هيئة قضايا الدَّولة، وذلك في أوَّل مايو سنة 1952م.
ثُمَّ نُقِلَ للعمل بمجلس الدَّولة سنة 1955م، وتدرَّج في وظائفه حتَّى وصل إلى وكيل مجلس الدَّولة في 28 فبراير 1981م.
ثُمَّ أُعِيرَ للعمل بالمملكة العربيَّة السُّعوديَّة، وعمل مستشارًا قانونيًّا لعدَّة وزارت بها.
وقد أسهم في إعداد بعض النُّظم للمملكة كنظام رأس المال الأجنبيِّ، قوانين الصِّحَّة كلها، وقوانين الصِّناعة، والكهرباء.
كما عمل أستاذًا بجامعة الرِّياض، وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدُّكتوراه.
وقد انْتُدِبَ فضيلته لتدريس مادَّة الاقتصاد الإسلاميِّ بجامعة الأزهر منذ سنة 1967م، ويعدُّ الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ من أوائل مَنْ درَّس مادَّة الاقتصاد الإسلاميِّ بكلِّيَّة التِّجارة جامعة الأزهر.
كما انْتُدِبَ أستاذًا زائرًا بجامعات الجزائر وبني غازي بليبيا، وأم دَرْمَان الإسلاميَّة بالسُّودان.
عمل مستشارًا لوزير الأوقاف الدُّكتور مُحَمَّد البهي [8] في الفترة من عام 1962م إلى 1964م.
عمل مستشارًا لوزير التَّربية والتَّعليم الدُّكتور/ مُحَمَّد حلمي مراد [9] في الفترة من عام 1968م إلى 1969م.
وقد شارك -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى- في الكثير من المجالات العلميَّة؛ فكان عضوًا بمجمع البحوث الإسلاميَّة، وعضو المجالس القوميَّة المتخصِّصة (المجلس القومي للخدمات، والتَّنمية الاجتماعيَّة)، وعضو المجلس العلمي للشُّئون الإسلاميَّة (لجنة الدِّراسات الفقهيَّة المقارنة)، وعضو مجلس إدارة بعض مراكز البحوث بجامعتي الأزهر والقاهرة، ورئيس مجلس إدارة الجمعيَّة الخيريَّة الإسلاميَّة حتَّى توفَّاه اللهُ تَعَالَى يوم الخميس الموافق 8/يوليو/2010 م، الموافق 21 من رجب 1431هـ [10].
صِفَاتُهُ الخُلُقِيَّةُ وَوَفَاتُهُ:
تميَّز الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ بجملة من الأخلاق الفاضلة، والصِّفات الحميدة مقتديًا بسيِّد الخلق، وإمام البشر سيِّدنا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذي كان خلقه القرآن، كما حكت عنه السِّيَّدة عائشة حين سُئِلَتْ عن خلق النَّبيِّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - [11].
وبيَّن النَّبيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ الدِّين حسن الخلق، وهو من أثقل ما يُوضع في ميزان العبد يوم القيامة، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ–رَضِيَ اللَّهُ عَنْه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي المِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ، وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ" [12].
وحسن الخلق دليلٌ على كمال إيمان العبد، روى أحمد في مسنده عن أبي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- أنَّ رَسُولَ اللهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا، أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا" [13]، وإنَّه يبلغ درجة الصَّائم القائم، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِم" [14].
فسار الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ على الدَّرب، وسلك نفس النَّهج متأسِّيًا بالحبيب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكان يتعامل مع بناته بحلم، ورحمة، وتوجيه مستمرٍّ، ودفع للتَّفوُّق والتَّميُّز، وهو ما تؤكِّده الدُّكتورة ليلى -ابنته الوسطى، أُسْتَاذ النُّظم والمعلومات بجامعة حلون-، حيث أكَّدت على هذا من خلال تعامله معها، وأختيها الدُّكتورة ناهد، والدُّكتورة مُنى، وقربه منهنَّ [15].
وكان دمثَ الخلق بين أقرانه وأصدقاء دراسته، يتواضع لهم، ويحرص على التَّواصل المستمرِّ معهم، كما أكَّد على ذلك المُستشار حامد عبد الدَّايم [16]، والدُّكتور مُحَمَّد الشَّحَّات الجِنْدِي [17].
وكان نِعْمَ المُرَبِّي وَالمُعَلِّمُ، لا يدَّخر جهدًا في نصح طلَّابه، ولا يتوانى في إرشادهم، وكان حريصًا عليهم، وعلى تفوُّقهم، وعلى إعلاء هِمَمِهِم، وكان دائمَ السُّؤال عنهم، والتَّواصل معهم على الرغم من أشغاله الكثيرة ومسئوليَّاته المتعدِّدة، بل كان هو مَنْ يبدأ بالسُّؤال عنهم، وهو ما أكَّد عليه الدُّكتور يُوسُف إِبْرَاهِيم رَئِيس مركز صالح كامل بالقاهرة [18].
وكان يحرص على بثِّ الثِّقة فيهم، والتَّحاور معهم، بل ونشر آرائهم حتَّى ولو كانت مخالفة لرأيه، كما حدث مع الدُّكتور رفعت العوضي في مسألة فائدة البنوك، حيث يرى الدُّكتور شَوْقِي الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ فوائد البنوك ليست من الرِّبا المحرَّم، بينما يقول الدُّكتور رفعت العوضي: إنَّ فوائد البنوك ربًا محرَّم، فهو يخالفه تمامًا في رأيه، ومع ذلك طالبه بنشر رأيه في إحدى الصُّحف السُّعوديَّة وقت أن كانا يعملان معًا في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة قائلًا له: إنَّ في ذلك إثراءًا للموضوع، وتعميقًا للحوار حوله [19].
فلقد جمع الدُّكتور الفَنْجَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ العديد من السِّمات النَّفسيَّة والخلقيَّة، كالمثابرة، والاجتهاد، والنَّشاط الدءوب، وغيرته الشَّديدة على دينه، والجود، والعطاء، والإيثار، والتَّضحية، والتَّواضع، والثَّبات على المبدأ، والإصرار على الحقِّ، والاستعلاء على المساومات والإغراءات، والصَّبر على المحن، والرِّضا بقضاء الله – عَزَّ وَجَلَّ -.
وَفَاتُهُ:
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا [20].
وبعد رحلة طويلة حافلة من العطاء، والجهاد، والكفاح، والبحث العلميِّ، والعمل الخيريِّ، ومحاربة الفساد، ونشر القيم الإسلاميَّة، وتوضيح القيم الاقتصاديَّة المستمدَّة من الدِّين الإسلامي، وعملٍ دؤوبٍ، وسعيٍ لخدمة الفقراء والمحتاجين، وحرصٍ على العمل الخيريِّ، وسعيٍ للتَّغلُّب على المشاكل البيروقراطيَّة الَّتي تواجه الجمعيَّات الخيريَّة، وخاصَّة الجمعيَّة الخيريَّة بحيِّ السَّيِّدة زينب، والَّتي كان يرأسها لفترة طويلة.
وبعد قضائه لبعض الأوراق المهمَّة في البنك لصالح الجمعيَّة الخيريَّة الخاصَّة بالوقفيَّات، عاد إلى بيته، ونام على فراشة؛ ليرتاح من عناء الطَّريق، خاصَّة مع تقدُّمه في العمر، وتعرُّضه لأمراض الشَّيخوخة، غير أنَّها كانت النَّومة الأخيرة، حيث فاضت روحه إلى بارئها يوم الخميس الموافق 8/يوليو/2010 م، الموافق 21 من رجب 1431هـ.
فلقد عاش من أجل خدمة هذا الدِّين، ومات وهو يعمل لصالحه مصداقًا للأثر المشهور أنَّ الكريم قد أجرى عادته بكرمه أنَّه مَنْ عاش على شيء مات عليه، وَمَنْ مات على شيء بُعِثَ عليه [21].
عن جابر، قال: سمعت النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول: "يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ" [22].
وأحسب أنَّ مثل هذه الميتة من حسن الخاتمة - إِنْ شَاءَ اللهُ -، ومن توفيق الله للدُّكتور الفَنْجَرِيِّ - رَحِمَهُ اللهُ -، فعن أنس أنَّ النَّبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ" قَالَ: فَقِيلَ: كَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ؟ قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ المَوتِ" [23].
قال رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا عَسَّلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، قِيلَ: وَمَا عَسَّلَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ؟ قَالَ: يَفْتَحُ لَهُ عَمَلًا صَالِحًا بَيْنَ يَدَي مَوْتِهِ حَتَّى يَرْضَى عَنْهُ" [24].
ولعلَّه رَحِمَهُ اللهُ ممَّن يصدَّق فيهم قول رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِكُمْ؟، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا" [25].
فَاللَّهُمَّ ارْحَمْ هَذَا العَالِمَ الجَلِيلَ، وَاجْعَلْ عِلْمَهُ، وَعَمَلَهُ، وَسَعْيَهُ فِي مُسَاعَدَةِ المُحْتَاجِينَ، وَطَلَبَةِ العِلْمِ الجَادِّينَ، وَالفُقَرَاءِ، وَالأَرَامِلِ، وَالمَسَاكِينَ فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِ، وَكَفَّارَةً لِسَيِّئَاتِهِ.
|
| |
|