د. هيثم باحيدرة
الصين هي أكبر باعث للكربون في العالم. ففي عام 2012، استخدمت ما يقرب من كمية الفحم المستخدمة في بقية دول العالم مجتمعة. ولهذا السبب تعهدت الصين في محادثات المناخ في باريس بتقليل انبعاثات الكربون بحلول عام 2030. وتكشف ورقة عمل جديدة أنهم قد يحققون هدفهم حتى قبل الوقت المحدد.
وفقا لأبحاث فيرجوس قرين ونيكولاس ستيرن التي نشرت في مجلة سياسة المناخ، كانت الفترة 2000-2013 فترة فريدة من نوعها بالنسبة إلى الصين. وكانت البصمة الكربونية للبلاد واسعة النطاق، إلى حد كبير لأن اقتصادهم قد مر بمرحلة توسع شديد أو ما يشبه بالانفجار الاقتصادي. وكانت الصين دائما ما تلجأ إلى الحل الوحيد وهو الفحم، وقد كان السبب في تلوث كثير من المدن مثل بكين وشانغهاى حتى أصبح عند الأطفال الصينيين ما يعرف بأيام الضباب الدخاني على غرار أيام الثلوج.
لذا قررت الصين التحول إلى الطاقات النظيفة. ولقد طورت بنيتها التحتية للطاقة البديلة، وذلك جنبا إلى جنب مع تباطؤ الانفجار الاقتصادي، ما أدى إلى انقشاع الضباب الدخاني وعودة زرقة السماء نوعا ما. وقد تحولت البلاد تدريجيا بعيدا عن الفحم لتوليد الطاقة الكهرومائية والطاقة النووية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية. فبين عامي 2010 و2014، وجد قرين وستيرن أن توليد الطاقة في الصين في مجال الطاقة البديلة ازداد بنسبة 73 في المائة.
وبناء على تحليلات للاتجاهات المستقبلية المحتملة، استنتج قرين وستيرنان من المرجح لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون في الصين من الطاقة أن تنمو ببطء أكثر بكثير من إطار النموذج الاقتصادي القديم، ومن المرجح أن تصل إلى الحد المقبول عند نقطة معينة في العقد قبل عام 2025. وعند النظر إلى البيانات من 2014-2015، اكتشف قرين وستيرن أن الصين ستحقق تعهدها أمام مؤتمر باريس قبل عام 2025. ويتوقعون أن انبعاثات الكربون في الصين ستستمر في الانخفاض.
وقد بدأت الصين التقليل في انبعاثات الكربون بوتيرة جيدة جدا في السنوات الأخيرة. وتخطط البلاد لتضيف ما يصل إلى 20 جيجا واط من الطاقة الشمسية سنويا للسنوات الخمس المقبلة، التي ستضيف ما يصل إلى أكثر من ثلاثة أضعاف قدرة البلاد الحالية. وقد أعلن نور بكري، رئيس الإدارة الوطنية للطاقة، قرارا يدعم خطة الصين لتعزيز حقبة جديدة من الطاقة النظيفة للبلاد التي تعتبر أكبر الدول المسببة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من أي بلد آخر على وجه الأرض.
وشهدت البلاد، وهي التي تعتمد على الفحم في الغالب، زيادة هائلة في قطاع توليد الطاقة الشمسية في السنوات الأخيرة، ومع المنشآت الجديدة استطاعت الصين أن تعزز الأرقام بما يقرب من 13 ضعفا مقارنة بعام 2011. وعلى الرغم من هذا النمو، واعتبارا من نهاية العام الماضي، فإن حسابات الطاقة الشمسية تمثل فقط نحو 3 في المائة من الكهرباء في الصين. وفي وقت سابق من هذا العام، أعلنت الحكومة خطة طموحة لإغلاق 1000 منجم من مناجم الفحم كخطوة رئيسية نحو تحقيق هدف البلاد للحد من استهلاك الفحم بنسبة 60 في المائة بحلول عام 2020. ومع تراجع الفحم، تستعد سوق الطاقة المتجددة المزدهرة في البلاد لتولي المهمة. ويعي قادة الصين جيدا أنهم في حاجة ماسة للحد من المصانع التي تعمل بالفحم وتلوث الهواء، الأمر الذي يجعل الهواء في المدن الكبيرة مثل شنغهاي وبكين غير صحي للاستنشاق.
ومع التزامها ببناء منشآت جديدة للطاقة الشمسية خلال السنوات الخمس المقبلة، تهدف الصين إلى زيادة القدرة المستهدفة لتصل إلى 143 جيجا واط، أي أكثر من ثلاثة أضعاف الأرقام الحالية. وفي نهاية عام 2015، كانت البلاد 43.2 جيجا واط المثبتة، التي ساعدتهم على سرقة اللقب من ألمانيا باعتبارها الدولة التي لديها القدرة الشمسية الأكثر المثبتة. والصين لديها الآن 43.2 جيجا واط من قدرة الطاقة الشمسية، مقارنة بـ 38.4 جيجا واط في ألمانيا و27.8 في الولايات المتحدة.
وبالمناسبة، فإن الصين هي أيضا أكبر منتج ومصدر للألواح الشمسية في العالم، لذلك يدعم الطلب المحلي هذا التحول نحو الطاقة المتجددة، وسيساعد على تعزيز اقتصاد البلاد كما تتقلص صناعة الفحم.
قد لا يزال أمام الصين طريق طويل لتقطعه، ولكن هذا هو الأمل والاتجاه الوحيد الذي يمكن أن يكون مساهمة كبيرة في معركة بقاء الأرض كوكبا نظيفا وأكثر اخضرارا.