روسيا لا تستطيع زيادة إنتاجها النفطي
د. نعمت أبو الصوف
لم يسفر اجتماع الدوحة عن أي اتفاق لتجميد الإنتاج، ولكن على ما يبدو أن إنتاج النفط الروسي في طور التجميد، حيث يحاول بعض المشككين في الصناعة تحديد ما إذا كانت الحكومة ملتزمة التزاما كاملا بإبقاء الإنتاج مرتفعا بالمستوى الذي كانت تخطط له.
في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الروسية تنسق مع باقي المنتجين من "أوبك" وخارجها في التوصل إلى اتفاق لتجميد الإنتاج عند مستوياته في شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، كان إنتاجها في ارتفاع طفيف. حتى قبل انهيار تلك الصفقة في 17 نيسان (أبريل) الماضي، كانت هناك علامات استفهام معلقة على التزام روسيا بتجميد العرض ـــ وحول ما إذا كانت ستضخ أكثر من ذلك، أو ما إذا كانت تواجه بالفعل بعض التراجع في الإنتاج.
الآن، وبعد إحباط روسيا من فشل اجتماع الدوحة واحتمال قيام بعض المنتجين خصوصا المملكة العربية السعودية بزيادة الإنتاج، أصبحت تصريحات الحكومة أكثر تفاؤلا بخصوص قوة إنتاجها. في هذا الجانب قال وزير الطاقة إن الإنتاج الروسي قد يستمر في الارتفاع في هذا العام ـــ عكس معظم التوقعات التي تشير إلى انخفاض إنتاجها خلال النصف الثاني من العام. وهذا ما تدعمه شركة ترانسنفت المحتكرة لخطوط الأنابيب، التي تتوقع أن تبقى الصادرات الروسية في حدود مستويات العام الماضي، عند 4.6 مليون برميل في اليوم.
في آذار (مارس)، ظلت مستويات الإنتاج الروسي حسب الأرقام الرسمية عند مستويات قياسية، بعد أن ارتفعت بنسبة 2.1 في المائة عن مستوياتها قبل عام لتصل إلى 10.91 مليون برميل في اليوم. ولكن البيانات الأولية تشير إلى أن إنتاج شهر آذار (مارس) كان مساويا إلى كانون الثاني (يناير)، وفقط أعلى بصورة طفيفة من إنتاج شباط (فبراير) 10.88 مليون برميل في اليوم.
المزيد من الإحصائيات اليومية الأخيرة التي صدرت في بداية نيسان (أبريل) تظهر انخفاضا طفيفا، حيث تراجع الإنتاج الروسي إلى 10.77 مليون برميل في اليوم، أو 1 في المائة أقل من متوسط آذار (مارس). إذا كان الأمر كذلك، فإنه يدل على أن روسيا كانت ملتزمة في شباط (فبراير) على الحفاظ على الإنتاج عند مستويات كانون الثاني (يناير). لذلك يبدو أن الرأي القائل إن روسيا لن تلتزم بتجميد الإنتاج لم يكن في محله إلى حد ما، على الأقل لأنه لن يكون لها خيار آخر.
لقد أصبحت تقلبات الإنتاج الصغيرة على المدى القصير بسبب صيانة الآبار والبنية التحتية تقليدا في قطاع النفط في روسيا. لكن انهيار محادثات الدوحة يهدد الآن بترك روسيا تراقب اتفاقا لم يعد موجودا، إلى حد كبير لأنها لن تكون قادرة على زيادة الإنتاج بسهولة حتى لو أرادت. في الوقت الذي تعتمد فيه السعودية على طاقات إنتاجية احتياطية إذا ما أرادت رفع الإنتاج في أي وقت قريب ـــ أو تعيد تشغيل الحقول في المنطقة المحايدة ـــ يبدو على نحو متزايد أن روسيا قد بلغت الحد الأقصى من الإنتاج. في الواقع، من المرجح أن يشهد النصف الثاني من هذا العام انخفاضا طفيفا في الإنتاج الروسي من مستوى 10.9 مليون برميل في اليوم نتيجة تراجع الاستثمارات في الحقول الناضجة Brownfields.
في الأشهر الأخيرة، تمكنت روسيا من إدامة مستويات إنتاج عالية وذلك بفضل الجهود المضنية التي بذلتها الشركات للحفاظ على كميات عالية من الإنتاج، للتعويض عن انخفاض أسعار. حيث ارتفع معدل الحفر التطويري في شباط (فبراير) بنسبة 11.7 في المائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. ارتفاع العمليات كانت أكثر وضوحا عند كبار المنتجين، حيث ارتفعت ما بين 40 ـــ 50 في المائة في شركات روسنفت، سلافنفت وتاتنفت، وإلى 70 في المائة في شركة باشنفت. الاستثناء الوحيد كانت شركة لوك أويل، حيث انخفض معدل الحفر بنسبة 40 في المائة. وفي باقي القطاع، كانت النتائج متباينة.
لكن معدلات تراجع الإنتاج Decline Rate في حقول غرب سيبيريا الناضجة لا تزال مرتفعة بنسبة 3 في المائة. التركيز في الوقت الراهن على جهود شركة لوك أويل التي فشلت حتى الآن في السيطرة على تراجع إنتاجها في هذه المنطقة ــــ حيث يراوح إنتاجها من منطقة غرب سيبيريا في حدود مليون برميل في اليوم، أو ما يقرب من نصف إنتاج الشركة الكلي ــــ في حين كانت شركة روسنفت أكثر نجاحا إلى حد ما، وحققت بعض النمو. في آذار (مارس)، حققت أكبر وحدات روسنفت في غرب سيبيريا نموا في الإنتاج بمعدل 1 في المائة فقط مقارنة بالعام الماضي، بعد انخفاض 3 في المائة في عام 2015.
لقد أصبح من الصعب على نحو متزايد بالنسبة لكبار المنتجين الروس الحفاظ على معدلات إنتاج ثابتة، ناهيك عن تجنب الهبوط، مع ذلك جميع التصريحات الرسمية متفائلة بخصوص ارتفاع النفقات الرأسمالية ومستوى عمليات الحفر. على سبيل المثال، لقد ذكرت بعض المصادر أن شركة تاتنفت قد أجبرت على إيقاف عمليات التنقيب عن القار، وربما تخلت عن خطط لإنتاج 40 ـــ 50 ألف برميل في اليوم في عام 2018. ويقال الآن إن تكاليف الإنتاج تجاوزت أسعار خام الأورال، الذي على أساسه يتم تسعير القار.
إنتاج شركة باشنفت لا يزال في الاتجاه التصاعدي بفضل تكثيف العمليات في تطوير الحقول الجديدة Greenfields. في حين أن شركات روسنفت ولوك أويل من المرجح أن تستمر في المعاناة من انخفاض الإنتاج، ويبدو أن إنتاج تاتنفت قد استقر بعد التراجع الذي شهده في شهري كانون الأول (ديسمبر) وكانون الثاني (يناير). في آذار (مارس)، ارتفع إنتاج الشركات المستقلة بنحو 2.5 في المائة، مدعوما في الدرجة الأولى بارتفاع إنتاج النفط الخام والمكثفات لشركة جازبروم.
قبل فشل اجتماع الدوحة في 17 أبريل (نيسان) بين المنتجين من (أوبك) وخارجها، كان الإجماع أن الانكماش في قطاع النفط الروسي سيبدأ بشكل جدي في الربع الثالث من هذا العام. حيث إن صعوبة الحصول على الائتمان من الأسواق العالمية، وزيادة العبء الضريبي على هذه الصناعة، وضعف أسعار النفط قد تكاتفت جميعها لإيجاد بيئة استثمار صعبة في قطاع النفط الروسي.
لكن الآن، ستزداد الأولوية السياسية للحكومة الروسية بقوة في الحفاظ على معدلات إنتاج عالية. روسيا لا ترغب في مشاهدة باقي المنتجين، خصوصا السعودية، يرفعون إنتاجهم بحرية، في حين يبدأ إنتاجها في التراجع.