العرب 24 مدير
عدد المساهمات : 856 تاريخ التسجيل : 16/01/2012
| موضوع: مناضل البلاط ! الجمعة مايو 06, 2016 9:56 pm | |
| مناضل البلاط !
من أرقى ما أبدعت البشرية " الفن " و من أرقى ما أبدع الفن " الفكاهة " . لطالما كان الفن من أفضل الطرق في إبلاغ " الرسالة " ، و هكذا لا يمر أي فيلم ، مسرحية أو أي شكل إبداعي إلا و ترك خلفه نقاشا محمودا يدور بالأساس حول " الرسالة " التي يتطرق لها و الحمولة الفكرية التي قدم بها للمجتمع . ككل شيئ محكوم بحركية التاريخ تدور الأيام ، تتقدم الدول و تنمو سلطة و جاه المال ليصبح الفن بدوره " صناعة " قائمة الذات تنتج لنا " تجارة " عالمية تدِّر أموالا طائلة كما تصرف عليها تماما ، و هكذا تم التحول تدريجيا من نقاش " رسالة " الفيلم السينمائي مثلا إلى نقاش كم كانت العائدات التي حققها و هل حاز بطله على الأوسكار في لوس أنجليس أم حاز على السعفة الذهبية في كان الفرنسية أم نجح في الحصول على جائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين ؟!!
و على ذكر السينما أو السيما كما يحب البعض تسميتها ، كانت دائما عبارة عن مسرح حر لتقديم أفكار و أطروحات و مكانا لفتح نقاش مجتمعي حقيقي حول مجموعة من الظواهر المجتمعية ، بل إن بعض الإنتاجات السينمائية عبرت عن عبقرية أصحابها لما إحتوته من مواقف كانت سبّاقة لعصرها و تنبأت بأحداث عرفها العالم من بعد ( على سبيل المثال لا الحصر هي فوضى و تحية بهذه الفرصة لروح كل من يوسف شاهين و خالد صالح ) ، غير أن الصورة التي ترسمها السينما للمجتمع و التي يقول رجالتها عنها أنها مرآة فقط لحالته ليس إلا ، هناك من يرفضها رفضا كليا ، الرفض كلما يكون نبشت السينما في خفايا المجتمع ، مكبوتاته ، ظلماته، و لأسباب أو أخرى يفرض المنع أحيانا ، يطالب به الناس أحيانا أخرى ، لينتج لنا هذا الصراع الفكري مفهوما جديدا و هو " الفن النظيف " .. يتحول المخرج أحيانا من ملاك لشيطان ، ملاك عندما يخرج لنا فيلم ' علي زاوا ' مثلا ، لقد تطرق لمشكل أطفال الشوارع يومها ، الكل إستفاق من سباته ، الكل قال حينها هناك أطفال لنا يعيشون في الشارع ، لما تركوا المدرسة ؟ كيف بات الشارع دولتهم و العنف قانونهم ؟ ، تحرك الجميع حينها ، الكل تكلم ، يجب إيجاد حل هكذا قالوا ، ظهروا يومها على شاشات التلفاز ، قاموا بإستجوابات مع الصحف ، الكل طرح خلطته السحرية لمعالجة الموقف و كان هذا نتاجا لرجة مجتمعية خلقها مخرج في 2001 ، هو ذات الرجل الذي عاد في 2012 ليخرج فيلم أخر سماه ' يا خيل الله ' و فيه عاد لأحداث 16 ماي الإرهابية التي حصدت أرواحا بريئة لا ذنب لها ، فيه دق ناقوس الخطر ليستفيق الكل ، دق ناقوس الخطر ليعلن أن المناطق التي أنتجت إرهابيوا 2003 قد تنتج لنا مستقبلا إرهابيين جدد ، و هو ما حدث بصيغة أو أخرى مع خروج ظاهرة اللحاق بداعش في وسط مجموعة من الشباب ، كل هذا كان بردا و سلاما و لكن و بمجرد التطرق لموضوع ' الدعارة ' ظهر لنا محاضروا الشرف مجددا ، لقد ظهروا مجددا ليقولوا ' اللهم هذا منكر ' من أين جاء لنا هذا الزنديق ؟ كيف لم يحترم مشاعرنا ؟ ناسين أو متناسين أن رفض الواقع لا يُغيره ، و أنه كان ربما يجب محاكمة من صنع هذا الواقع عوض محاكمة من عرّاه و حاول صنع رجة مجتمعية جديدة للخروج بحل أمام إستفحال ' الدعارة ' عوض نكس الرؤوس .. الفن النظيف هكذا قالوا لعدد من المخرجين ، الذين و بأي شكل كان لم يصنعوا ذلك الواقع الذي رصدته كاميراتهم و قدمته في مكاشفة صريحة ، صورة المجتمع بدون ماكياج لا يتقبلها العديد ، يتقبل الناس قساوة الحياة ، حيفها ، ظلمها ، عدوانها و لكن يرفضون الإفصاح عن ذلك ، لا يريدون إنتقاذه ، لا يريدون تعريته علما أن طمس معالم المعاناة لا يعالجها بقدر ما يساهم في إستفحالها و إستمرارها في كتم الأنفاس ، يقولون الفن النظيف أو فن و سينما " كل شيئ على ما يرام " . سميت الموضوع مناضل البلاط ، و في بدايته قلت أنه أرقى ما أبدع الفن ' الفكاهة ' و في ختام موضوع سأقوم بتوضيح عنوانه و تفسير لمحتي للفكاهة ، فهذه الأخيرة معروفة بأنواعها العديدة ، و واحدة من الأنواع ما يُعرف بالفكاهة السوداء المعروفة بالسخرية السياسية . منذ نعومة أظافري سمعت بثنائي فكاهي ' ممنوع ' خاصة أحد أفراد ذلك الثنائي الذي يحب أن يسميه الناس بفكاهي ' اليسار ' و الرجل الذي يطاله المنع أينما حل و ارتحل ، رجل لم أشاهد أعماله بقدر ما سمعت عن الحضر الذي يطاله و الخوف الذي ينتاب السلطات من إلتقائه بالجمهور . بقيت الصورة مرسومة في مخيلتي ، كما هي على ما أعتقد في مخيلة عدد من رفاق جيلي ، و فجأة سيتغير كل شيئ ، فخلال برنامج إذاعي يستضيف فيه المقدم ضيفا لتدور الحلقة على شكل محاكمة للضيف ، كان الضيف تلك المرة موسيقي ، فنان ، رجل العود الذي يعرفه الناس تماما ، الحلقة تمر بشكل عادي ، الضيف يحكي عن كيف كانت زياراته للبلاط ، المقدم يسأل بشكل عادي : مع من كنت تشتغل ؟ يجيب الضيف أنه كان في أول مرة له يزور البلاط مرافقا لثنائي فكاهي . لقد أجاب بدون حسابات لكنه فجر مفاجأة من العيار الثقيل لسبب بسيط ، أن ذلك الثنائي هو ذات الثنائي الذي لطالما روج لنفسه بأنه ' ممنوع ' و ' معارض ' ، هكذا كان فكاهي ' اليسار ' خادم البلاط السري !!! . هكذا أختتم موضوعي هذا ، مع كامل الإمتنان لمن خصص دقائقا لتتبعه و أخرى لترك أثر فيه .. دمتم بود .
| |
|